ما هي الدروس الإيجابية التي علمها إيانا فيروس كورونا ؟
بقلـم : عبـد اللطيـف اليـوريـزي
ما هي الدروس الإيجابية التي علمها إيانا فيروس كورونا ؟
بقلـم : عبـد اللطيـف اليـوريـزي
عيد فطر مبارك
سعيد ، أقولها كتابة ، و أقولها عبر الهاتف ، و الواتساب ، و وسائل التواصل
الاجتماعي ، و عن طريق الفيديو ، هذه هي الطرق الوحيدة التي أضحت أمامنا حتى نبارك
العيد لأهلنا و إخواننا و أصدقائنا ، بل لآبائنا و أمهاتنا ، ما عهدنا بهذا أبدا ،
و ما شهدنا مثله قبلا ، فسبحان الله ، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ،
يفعل ما يشاء و فعال لما يريد ، ها هو ذا عيد الفطر قد حل بين ظهرانينا ، حيث قمنا
بأداء صلاة العيد بمنازلنا خلافا لما عهدنا عليه الأمر بمصلياتنا التي تكون ممتلئة
عن آخرها بالمؤمنين الذين اعتادوا أداء صلاة العيد بها ، و العودة إلى منازلهم من
طريق آخر غير الطريق الذي وفدوا منه للمصلى ابتغاء تلقي جوائز و تبريكات كثيرة من
ملائكة الرحمان الذين يهنئون عباد الله في هذا اليوم الذي يسمى كذلك يوم الجائزة ،
استقبلنا عيد الفطر بعدما ودعنا ضيفا قضى بيننا تسعة و عشرين يوما ، و هو شهر
رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان ، شهر رمضان
الذي به ليلة القدر و هي خير من ألف شهر ، و التي أدينا صلاتها في منازلنا على غير
ما ألفناه ، و كذلك صلاة التراويح في جميع الليالي الرمضانية ، و صلاة الفجر ،
أصبحنا نسمع أذان المؤذن يصدح من المسجد مهللا و مكبرا حي على الصلاة ، حي على
الفلاح دون أن نتمكن من الذهاب قصد أداة صلاته به كالمعتاد تعودنا كما تعود
المسلمون في أصقاع الأرض كل سنة مشاهدة بيت الله الحرام ممتلئ عن آخره برواد عمرة
رمضان ، و كبار القراء يتلون على مسامعنا آيات بينات من الذكر الحكيم أثناء صلاة
التراويح ، و نسمع جهشات بكائهم عندما يرفعون أكفهم بالدعاء إلى العلي القدير
أثناء صلاة التهجد ، لكن و على غير العادة فإن شيئا من هذا لم يحصل في هذه السنة ،
صيام على غير العادة ، شهر رمضان على غير العادة ، ليلة القدر على غير عادتها ، و
عيد الفطر و صلاة العيد على غير عادتهما ، فالطاعون اللعين غير كل شيء فينا ، و مر
على محطات من محطات حياتنا و مناسباتنا فغيرها ، و لا شك أن آثار هذا التغيير
ستستمر لمدة ، و ستجاورنا لزمن ليس باليسير ، فيا ترى ، ما هي محطته القادمة ؟ و
متى سنسمع أن قطار كوفيد-19 قد وصل إلى نهايته ؟ و يبقى هذا السؤال معلقا بدون
جواب حتى يخبرنا هذا الكائن التاجي بنفسه أنه قد وصل فعلا إلى محطته النهائية
بعدما حول مدننا إلى مدن أشباح ، و فنادقها إلى مستشفيات ، و جل مصانعها إلى مصانع
تنتج الكمامات الطبية و المعقمات و مستلزمات المستشفيات بالملايين ، و بعدما حول
وسائل الإعلام إلى قناته الإعلامية الخاصة و الحصرية التي يخبرنا من خلالها بما
شاء من أرقام و كم أطاح كل يوم من الأشخاص الذين احتل أجسادهم ، احتار العلماء في
شأنه ، و أمسك رؤساء دول العالم برؤوسهم لهول ما خلفه من نتائج كارثية على
مواطنيهم و أسواقهم المالية و الاقتصادية حتى ظن الجميع أن العالم لربما يشهد
ركودا اقتصاديا يضاهي ركود الكبير لسنة 1929 ، أصبحت حكومات دول العالم بين فكي
كماشة ، و داخل عين الإعصار ، أضحت بين مطرقة فرض الحجر الصحي على مواطنيها و
تخريب الاقتصاد بأيديها ، و سندان العودة الى فتح الاقتصاد على حساب صحة مواطنيها ،
سأرغم نفسي للتوقف عن سرد هذه النتائج السلبية ، لكن دعوني أساءل و إياكم ، ألم
يكن لهذا المخلوق النازي !!! لم أخطأ اللفظ ،
أعني النازي ، لأنه يذكرني بما فعلته النازية بالإنسانية في الحرب العالمية
الثانية ، و بما اقترفه أدولف هتلر و غيره من سفاحي الحروب و أعداء التعددية و
الديمقراطية و دعاة الحزب الوحيد ، أمثال موسوليني و ستالين و ماوتسي تونغ و غيرهم
، و آخرهم الزعيم الكوري الشمالي و أسلافه قبله ، اعذروني فقد خلطت بين ما هو
تاريخي ، و ما هو سياسي ، و ما هو اقتصادي ، و ما هو جغرافي ، و ما هو طبي ، و
دعوني أعيد طرح السؤال الذي كنت بصدد طرحه حتى استوقفتني النازية و حلفاؤها ، أعيد
طرح السؤال ، ألم يكن لهذا المخلوق التاجي من وقع إيجابي و من نتائج إيجابية على
حياتنا ؟ لقد تعمدت البدء بالنتائج السلبية لفيروس كورونا حتى أنتهي إلى النتائج
الإيجابية ، و ذلك حتى أحول ما هو سلبي إلى ما هو إيجابي ، و ذلك جريا على ما يتم
العمل به في مجال الكوتشينغ و التنمية الذاتية و البرمجة اللغوية العصبية ، نعم
أصدقائي و إخواني و معارفي و زملائي ، إن فيروس كورونا كان له كذلك نتائج إيجابية
، و لقد علمنا الكثير ، و لقن لنا الدروس و العبر التي لم نكن نلقي لها بالا ، و
شغلتنا الدنيا عنها ، فباسم الله نبدأ .
أولى هذه الدروس
الإيجابية هو أن هذا الفيروس الأرعن عودنا على الجلوس مع أبنائنا و بناتنا ،
فأصبحنا قريبين منهم أكثر ، نشاركهم دروسهم و تمارينهم المدرسية ، و أصبحنا أكثر
إنصاتا لهم و لأحاسيسهم البريئة .
أما الدرس
الإيجابي الثاني ، فهو تقديرنا لأهمية الوقت ، حيث منا نضيع الوقت الكثير في أشياء
ربما لا تستحق و لن تعود علينا بالنفع الوفير ، كالوقت الطويل الذي يقضيه معظمنا
في الجلوس في المقاهي و ما شابهها ، و قد لاحظتم و لا شك أثناء فترة الحجر الصحي
كم كان الوقت يمر سريعا رغم مكوثنا في بيوتنا ، و على سبيل المثال فقد مر شهر
رمضان سريعا ، و كأنه أسبوع و ليس شهر ، و هنا يتعين علينا إيلاء الأهمية القصوى
لتدبير وقتنا و تنظيمه أحسن تنظيم ، و كما يقال الوقت من ذهب ، و كذلك الوقت
كالسيف إن لم تقطعه قطعك ، بل أن رجال الأعمال و المستثمرين يعتبرون أن الوقت
يساوي قيمته مالا ، و حتى في الحديث النبوي الشريف ، يسأل الإنسان يوم القيامة عن
وقته فيما أفناه .
أما الدرس
الإيجابي الثالث ، فهو كيفية تدبير المال ، و هذه النقطة بالذات تشكل مشكلة حقيقية
عند الكثير من الناس ، خصوصا و أننا نعيش خلال فترة الحجر الصحي أياما عصيبة تتطلب
معرفة سياسة التقشف ، و كيفية تدبير عملية الإنفاق ، و الخفض من الميزانية ، و
التخلي عن الكماليات التي كانت إلى عهد قريب سبب تسرب النقود من بين أيدي الكثير
منا ، و في الكثير من الأحيان لا نستعمل هذه الكماليات ، بل تبقى مجرد تحف في
منازلنا و داخل دواليب بيوتنا .
و الدرس الإيجابي
الرابع هو الصبر ، فكما يقال الصبر مفتاح الفرج ، و الصبر يعلمنا قوة الإيمان و
الاعتقاد بأن هناك غد أفضل ، و هو يقوي شخصية الإنسان ، فيصبح بذلك عصيا على أي
رجة أو حدث غير متوقع في حياته ، و ينال بذلك أجرا على صبره .
أما الدرس
الإيجابي الخامس ، فهو التفكير الإيجابي ، فأمام مكوثنا في بيوتنا أثناء فترة
الحجر الصحي أمامنا طريقتين للتفكير ، فإما تفكير سلبي يقلقنا و يؤدي بنا إلى
القلق و الضغط النفسي و ضيق النفس و الخاطر ، و إما تفكير إيجابي ينعشنا و يجعلنا
نبتسم في وجه التحديات و نهلل فرحين أن القادم أفضل إن شاء الله ، و كما يقال ، ما
تفكر فيه تصبح عليه ، و أنك تجذب ما تفكر فيه وفق قانون الجذب .
و بخصوص الدرس
الإيجابي السادس ، فهو الجلوس مع النفس و التفكير و التأمل ، فقد علمنا الحجر
الصحي إيلاء العناية أكثر بأنفسنا و الجلوس معها و مع ذواتنا و التفكير إيجابيا ،
و معرفة مكنون دواخلنا أكثر ، و هذا الدرس لوحده كفيل بجعلنا نتحمل تبعات الحجر
الصحي ، فالجلوس مع النفس لفترة طويلة و التفكر فيها و في خططنا و أهدافنا هي من
شيم الحكماء ، و على سبيل المثال فعملاق ميكروسوفت و رجل الأعمال بيل غيتس يخصص
سنويا أسبوعا للتأمل و الجلوس مع النفس ، حيث أنه يذهب إلى مكان يكون فيه وحيدا ،
و يقطع كل اتصالاته ، و يمكث لمدة أسبوع لوحده وسط كتبه لأجل التفكير و التأمل ، و
وضع خطط جديدة للقادم من الأيام و القادم من الأعوام ، فلماذا أسبوع و ليس أقل ؟
الجواب هو أنه كلما كان الجلوس مع النفس أطول كلما أصبح الذهن صافيا ، و كلما
استطعنا التعمق في التفكير ، حيث تتضح الرؤية ، و نتمكن من إيجاد أفكار جديدة و
عبقرية و هذا ما يسمى بالتفكير الإبداعي ، و لنا في رسول الله صلى الله عليه و سلم
الأسوة الحسنة حيث كان صلى الله عليه و سلم لا يبارح الجلوس بغار حراء و التفكر و
التدبر .
أما الدرس
الإيجابي السابع ، فهو القدرة على الإبداع و الابتكار ، فكما لاحظ الجميع أنه خلال
فترة الحجر الصحي ، فقد خرجت إلى الوجود العديد من الأفكار و الابتكارات الهامة
فمن الناس من أصبح ينتج فيديوهات تعليمية ، و منهم من يقدم أفكارا إيجابية للناس ،
و آخر يعلمهم مهارة من المهارات ، و قد زاد من قيمة هذه الأفكار وجود وسائل
التواصل الاجتماعي و تطبيقات التراسل الفوري ، فأصبحت هذه المحتويات الإلكترونية
البديعة تخترق الحدود ، و يستفيد منها أكبر عدد ممكن من الناس في عدة بلدان في
العالم ، و من حسنات الحجر الصحي بالنسبة لي بصفة شخصية هي الزيادة من المنشورات
التي تتعلق بالتنمية الذاتية بوصف هذا المجال يشكل شغفا بالنسبة لي ، و أعتقد أنني
أملك خبرة لا بأس بها تمكنني من الإدلاء فيه برأيي ، و توجيه النصح و الإرشاد لمن
أراد التطلع إلى خوض عباب بحر هذا المجال ، و السعي وراء تحقيق مبتغاه و أهدافه ،
و ذلك بعدما تلقيت بدوري تدريبات في هذا المجال على يد مدربين و خبراء أكفاء و
اطلعت على العديد من المؤلفات ، و حصلت على شواهد و دبلومات في مجال الكوتشينغ و
البرمجة اللغوية العصبية ، و اكتسبت خبرات و مهارات في هذا الميدان الخصب على مدى
أكثر من عشر سنوات ، و لعل أبرز إنتاج إلكتروني ابتكرته خلال فترة الحجر الصحي هو
إنشاء مدونة إلكترونية أطلقت عليها اسم الطريق نحو النجاح ، تهتم بكل ما يتعلق
بالتنمية الذاتية .
أما الدرس
الإيجابي الثامن ، فهو المساواة و العدالة ، ذلك أن الحجر الصحي علم جميع سكان
الأرض أن الناس سواسية ، و أنه لا مناص عن المساواة و العدالة كي يستقيم حالنا ،
فكل الناس هم قيد الحجر الصحي كيفما كان عرقهم أو لونهم أو دينهم أو عقيدتهم ،
أكانوا من علية القوم أو من عامة الناس ، و مهما كان ما يملكون من مال أو عقارات
أو شركات فذلك كله لم يشفع لهم عند فيروس كورونا ، و حال الحجر الصحي بينهم و بين
السفر بالطائرات إلى الأماكن الترفيهية ، و فعل ما يحلو لهم .
أما الدرس
الإيجابي التاسع ، فهو تغيير العادات غير المحمودة ، فهذه مناسبة لمن أراد الإقلاع
عن بعض العادات غير الحميدة ، و التي يعتقد البعض أنه إن أقلع عنها سيكون في حال
أفضل ، كالإقلاع عن التدخين ، فهذه فرصة سانحة لمن رغب في تغيير عادة من عاداته .
و الدرس الإيجابي
العاشر هو تقبل التغيير ، فمسار حياتنا ليس مستقيما دائما ، فمرة نزول و مرة أخرى
صعود ، و كما يقول المثل يوم لك و يوم عليك ، فعلى الإنسان تقبل التغيير بصدر رحب ،
و بخصوص التغيير يقول خبير التنمية الذاتية الدكتور صلاح الراشد : "التغيير
من مستلزمات الحياة اليومية ، و يتواكب مع توسع الكون المستمر ، و هو إلزامي لذا
فإن لم يتغير الشخص بالتعلم و التطور ، تغير بالمعاناة و المشاكل ، فإن لم يتغير
بالمعاناة و المشاكل ، ستأتيه كوارث و مصائب لتغيره ، التغيير هو الثابت الوحيد ،
تبناه كصديق لطيف و دائم" .
أما الدرس
الإيجابي الحادي عشر ، فهو ما يخبرنا به كوكبنا الأرض ، فجميع المؤشرات و الدراسات
و صور الأقمار الاصطناعية تفيد أنه خلال فترة الحجر الصحي قد استرجع كوكبنا عافيته
، و انقشعت غيوم غبار التلوث الذي خلفه الإنسان عن طريق المصانع و المركبات على
مدى العديد من السنوات ، بل العديد من الحقب ، فغاب التلوث و تجمل كوكب الأرض ، و
كشفت الطبيعة عن زخرفها من غير تلوث ، بل و يقال أن الثقب الذي أصاب طبقة الأوزون
قد أخذ في التراجع و الاضمحلال ، و أن سكان جبال الهملايا أصبحوا يشاهدون مناظر
طبيعية غابت عن هذه السلسلة الجبلية منذ عدة سنين قد خلت .
فيا لها من مصادفة
، و يا له من حجر صحي ، و يا له من فيروس يرينا السلبي ثم الإيجابي و يذكرنا بمن
نحن ، و بمهمتنا على هذا الكوكب .
مع تحيات عبد
اللطيف اليوريزي ، مؤسس مدونة الطريق نحو النجاح .